فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {في مرْيَةٍ}.
قرأ الحسنُ بالضمّ وهي لغةٌ.
قوله: {منْ لقائه} في الهاء أقوالٌ، أحدُها: أنها عائدةٌ على موسى. والمصدرُ مضافٌ لمفعوله أي: منْ لقائك موسى ليلةَ الإسراء. وامتحن المبردُ الزجَّاج في هذه المسألة فأجابه بما ذُكر. الثاني: أنَّ الضميرَ يعودُ على الكتاب. وحينئذٍ يجوزُ أن تكونَ الإضافةُ للفاعل أي: من لقاء الكتاب لموسى، أو المفعول أي: منْ لقاء موسى الكتاب؛ لأنَّ اللقاءَ تَصحُّ نسبتُه إلى كلٍ منهما. الثالث: أنه يعودُ على الكتاب، على حَذْف مضاف أي: من لقاء مثل كتاب موسى. الرابع: أنه عائدٌ على مَلَكَ الموت لتقدُّم ذكْره. الخامس: عَوْدُه على الرجوع المفهوم من الرجوع في قوله: {إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي: لا تَكُ في مرْيةٍ منْ لقاء الرجوع. السادس: أنه يعودُ على ما يُفهَمُ منْ سياق الكلام ممَّا ابْتُلي به موسى من البلاء والامتحان. قاله الحسن أي: لابد أنَ تَلْقَى ما لَقيَ موسى من قومه. وهذه أقوالٌ بعيدة ذكرْتُها للتنبيه على ضَعْفها. وأظهرُها: أنَّ الضميرَ: إمَّا لموسى، وإما للكتاب. أي: لا تَرْتَبْ في أنَّ موسى لقي الكتابَ وأُنْزلَ عليه.
{وَجَعَلْنَا منْهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ بأَمْرنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بآيَاتنَا يُوقنُونَ (24)}.
قوله: {لَمَّا صَبَرُوا} قرأ الأخوان بكسر اللام وتخفيف الميم على أنها لامُ الجرّ، وما مصدريةٌ. والجارُّ متعلّقٌ بالجَعْل أي: جَعَلْناهم كذلك لصَبْرهم ولإيقانهم. والباقون بفتحها وتشديد الميم. وهي {لمَّا} التي تَقْتضي جوابًا. وتقدم فيها قولا سيبويه والفارسيّ.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إلَى الْأَرْض الْجُرُز فَنُخْرجُ به زَرْعًا تَأْكُلُ منْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصرُونَ (27)}.
قوله: {يُبْصرُونَ} العامَّةُ على الغَيْبة، وابن مسعود على الخطاب التفاتًا.
وقرئ: {الجُرْز} بسكون الراء. وقد تقدَّم أولُ الكهف.
{قُلْ يَوْمَ الْفَتْح لَا يَنْفَعُ الَّذينَ كَفَرُوا إيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)}.
قوله: {يَوْمَ الفتح} منصوبٌ ب {لا يَنْفَعُ} ولا غيرُ مانعةٍ من ذلك. وقد تقدَّم فيها مذاهبُ.
{فَأَعْرضْ عَنْهُمْ وَانْتَظرْ إنَّهُمْ مُنْتَظرُونَ (30)}.
قوله: {مُّنتَظرُونَ} العامَّة على كسر الظاء اسمَ فاعل. والمفعولُ من انتظرْ، ومنْ منتظرون، محذوفٌ أي: انتظرْ ما يَحُلُّ بهم، إنهم منتظرون على زَعْمهم ما يَحُلُّ بك. وقرأ اليمانيُّ {مُنْتَظَرُون} اسمَ مفعول. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا منْ قَبْلهمْ منَ الْقُرُون يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ}.
أو لم يعتبروا بمنازل أقوام كانوا في حَبرَةٍ، كانوا في سرورٍ فآلوا إلى ثبور؛ فجميع ديارهم ومزارهم صارت لأغيارهم، وصنوفُ أموالهم عادت إلى أشكالهم، سكنوا في ظلالهم ولم يعتبروا بمن مضى من أمثالهم، وكما قيل:
نعمةٌ كانت على قو ** مٍ زمانًا ثم بانت

هكذا النعمةُ والإح ** سانُ مذ كان وكانت

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إلَى الْأَرْض الْجُرُز فَنُخْرجُ به زَرْعًا}.
الإشارة فيه: تُسْقى حدائقُ وَصْلهم بعد جفاف عودها، وزوال المأنوس من معهود، فيعود عودها مورقًا بعد ذبوله، حاكيًا بحاله حال حصوله.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إنْ كُنْتُمْ صَادقينَ (28)}.
استبعدوا يومَ التلاقي وجحدوه، فأخبرهم أنه ليس لهم إلا الحسرة والمحنة إذا شهدوه.
{فَأَعْرضْ عَنْهُمْ وَانْتَظرْ إنَّهُمْ مُنْتَظرُونَ (30)}.
أعْرض عنهم باشتغالك بنا، وإقبالك علينا، وانقطاعك إلينا.
{وَانتَظرْ} زوائدَ وَصْلنا، وعوائدَ لطفنا.
{إنَّهُم مُّنتَظرُونَ} هواجمَ مقتنا وخفايا مكرنا. وعن قريب يجد كلُّ منتظرَه محتضرًا. اهـ.

.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: اللف المحبون لقربى والعارفون بتمجيدي فلا يصبرون عني ولا يستأنسون بغيري. اللام الأحباء لي مدخر لقائي فلا أبالي أقاموا على وثاقي أم قصروا في وفائي. الميم ترك أوليائي مرادهم فلذلك اخترتهم على جميع عبادي: {تنزيل الكتاب} أعز الأشياء على الأحباب كتاب الأحباب أنزله {رب العالمين} لأهل الظاهر على ظاهرهم ولأهل الباطن في باطنهم فاستناروا بنوره وتكلموا بالحق عن الحق للحق فلم يفهمه أهل الغرة والغفلة فقالوا {افتراه}. خلق سموات الرواح وارض الأشباح وما بينهما من النفس والقلب والسر في ستة أجناس هي: الجماد والمعدن والنبات والحيوان والشيطان والملك {ثم استوى على العرش} الخفي وهو لطيفه ربانية قابلة للفيض الرباني بلا واسطة {فلا تتذكرون} كيف خلقكم في أطوار مختلفة {يدبر الأمر} من سماء الروح إلى ارض النفس البدن {ثم يعرج إليه} النفس المخاطبة بخطاب {ارجعي إلى ربك} [الفجر: 28] في يوم طلعت فيه شمس صدق الطلب، وأشرقت الأرض بنور جذبات الحق {كان مقداره} في العروج بالجذبة كألف سنة مما تعدون من أيامكم في السير من غير جذبة كما قال صلى الله عليه وسلم: «جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين» {وبدأ خلق الإنسان من طين} وخمرة بيده في أربعين صباحًا فأودع في كل صباح خاصية نوع من أنواع عالم الشهادة {ثم جعل نسله من سلالة} سلها من أجناس عالم الشهادة. {ثم سوَّاه} شخص إنسان جديد المرآة {ونفخ فيه من روحه} فصار مرآة قابلة لإراءة صفات جماله وجلاله. ثم تجلى فيها بتجلية صفة السمعية والبصرية والعالمية التي مرآتها السمع والأبصار والأفئدة {ضللنا} في أرض البشرية {يتوفاكم ملك الموت} وهو المحبة الإلهية بقبض الأرواح من صفات الإنسانية ويميتها عن محبوباتها بجذبة {ارجعي} [الفجر: 28] {ناكسوا رؤسهم} بالتوجه إلى حضيض عالم الطبيعة كالأنعام بعد أن كانوا رافعي الرءوس يوم الميثاق.
{تتجافى جنوب} همتهم عن مضاجع الدارين {جنات المأوى} التي هي مأوى الأبرار تكون نزلًا للمقربين السائرين إلى الله {كنتم به تكذبون} لأنه لم يكن لكم به شعور في الدنيا لأنكم كنتم في يوم الغفلة والاشتغال بالمحسوسات {العذاب الأدنى} إذا وقعت للسالك فترة ووقفة لعجب تداخله أو لملالة وسآمة ابتلاه الله ببلاء في نفسه أو ماله أو مصيبة في أهاليه وأقربائه وأحبابه لعله ينتبه من نوم الغفلة ويدارك أيام العطلة قبل أن يذيقه العذاب الأكبر في الخذلان والهجران {فلا تك في مرية من لقائه} أي من أنه يرى الرب ببركة متابعتك حين قال: اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الرؤية مخصوصة بك وبتبعتك لأمتك.
ويحتمل أن يكون الخطاب في فلاتك لموسى القلب والضمير في {لقائه} لله. وجعلنا موسى القلب هدى لبني إسرائيل صفات القلب {وجعلناهم أئمة} هم السر الخفي {إن ربك هو يفصل بينهم} الآية. لأنهم عنده أعز من أن يجعل حكمهم إلى أحد من المخلوقين، ولأنه أعلم بحالهم من غيرهم ولئلا يطلع على أحوالهم غيره لأنه خلقهم للمحبة والرحمة فينظر في شأنهم بنظر المحبة والرضا، لأنه عفوّ يفيض العفو والجود فتحيا به القلوب الميتة فيسقي حدائق وصلهم بعد جفاف عودها وزوال المأنوس من معهودها {فنخرج به زرعًا} من الواردات التي تصلح لتربية النفوس وهي الأنعام، ومن المشاهدات التي تصلح لتغذية القلوب. ويقول المنكرون لهذه الطائفة {متى هذا الفتح} أي الفتوح التي تدعونها قل لا ينفعكم ذلك إذ لم تقتدوا بهم ولم تهتدوا بهديهم {فأعرض عنهم} أيها الطالب بالإقبال علينا وبالله التوفيق. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة: قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مّن دُونه من وَليّ وَلاَ شَفيعٍ} [السجدة: 4] فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الالتفات إلى الأسباب والاعتماد عليها، وقوله سبحانه: {يُدَبّرُ الأمر منَ السماء إلَى الأرض} [السجدة: 5] فيه إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره عز وجل لا أثر له فطوبى لمن رزق الرضا بتدبير الله تعالى واستغنى به عن تدبيره {الذى أَحْسَنَ كُلَّ شيء خَلَقَهُ} فيه إرشاد إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يستقبح شيئًا من المخلوقات، وقد حكى أن نوحًا عليه السلام بصق على كلب اجرب فانطق الله تعالى الكلب فقال: يا نوح اعبتني أم عبت خالقي فناح عليه السلام لذلك زمانًا طويلًا فالأشياء كلها حسنة كل في بابه والتفاوت إضافي، وفي قوله تعالى: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان من طينٍ} [السجدة: 7] إلى آخر الآية بعد قوله سبحانه: {الذى أَحْسَنَ} الخ إشارة إلى التنقل في أطوار الحسن والعروج في معارجه فكم بين الطين والإنسان السميع البصير العالم فإن الإنسان مشكاة أنوار الذات والصفات والطين بالنسبة إليه كلا شيء {إنَّمَا يُؤْمنُ بآياتنا الذين إذَا ذُكّرُوا بهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بحَمْد رَبّهمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبرُونَ} [السجدة: 15] إشارة إلى حال كاملي الإيمان وعلو شأن السجود والتسبيح والتحميد والتواضع لعظمته عز وجل: {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَن المضاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} إشارة إلى شهرهم في مناجاة محبوبهم وملاحظة جلاله وجماله، وفي قوله: {وَممَّا رزقناهم} أي من المعارف وأنواع الفيوضات {يُنفقُونَ} [السجدة: 61] إشارة إلى تكميلهم للغير بعد كما لهم في أنفسهم وذكر القوم أن العذاب الأدنى الحرص على الدنيا والعذاب الأكبر العذاب على ذلك.
وقال بعضهم: الأول التعب في طلب الدنيا والثاني شتات السر، وقيل: الأول حرمان المعرفة والثاني الاحتجاب عن مشاهدة المعروف، وقيل: الأول الهوان والثاني الخذلان.
{وَجَعَلْنَا منْهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ بأَمْرنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بآياتنا يُوقنُونَ} [السجدة: 24] فيه إشارة إلى ما ينبغي أن يكون المرشد عليه من الأوصاف وهو الصبر على مشاق العبادات وأنواع البليات وحبس النفس عن ملاذ الشهوات والإيقان بالآيات فمن يدعي الإرشاد وهو غير منصف بما ذكر فهو ضال مضلل {فَأَعْرضْ عَنْهُمْ وانتظر إنَّهُمْ مُّنتَظرُونَ} [السجدة: 30] فيه إشارة إلى أنه ينبغي الأعراض عن المنكرين المستهزئين بالعارفين والسالكين إذا لم ينجع فيهم الإرشاد والنصيحة وإلى أنهم هالكون لا محالة فإن الإنكار الذي لا يعذر صاحبه سم قاتل وسهم هدفه المقاتل نعوذ بالله تعالى من الحور بعد الكور بحرمة حبيبه الأكرم صلى الله عليه وسلم. اهـ.